وقد أيد ابن القيم هذا الرأي ودافع عنه بقوله:"وأما اعتبار توبة المحارب قبل القدرة عليه دون غيره، فيقال أين في نصوص الشارع هذا التفريق، بل نصه على اعتبار توبة المحارب قبل القدرة عليه. إما من باب التنبيه على اعتبار توبة غيره بطريق الأولى. فإنه إذا دفعت توبته عنه حد حرابة مع شدة ضررها وتعديه. فلأن تدفع التوبة ما دون حد الحراب بطريق الأولى والأخرى. وقد قال الله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}(سورة الأنفال ٣٨) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" [٤٣] والله تعالى جعل الحدود عقوبة لأرباب الجرائم ورفع العقوبة عن التائب شرعا وقدرا، فليس في شرع الله وقدره عقوبة تائب البتة، وفي الصحيحين من حديث أنس قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل وقال يا رسول الله: "إنما أصبت حدا فأقمه علي قال: ولم يسأله عنه فحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيَّ كتاب الله قال: ليس قد صليت معنا، قال نعم، قال فإن الله تعالى قد غفر لك ذنبك". قال ابن القيم: "فهذا لما جاء تائبا بنفسه - من غير أن يطلب - غفر الله له، ولم يقم عليه الحد الذي اعترف به، وهو أحد القولين في المسألة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وهو الصواب.. فإن قيل فماعز جاء تائبا، والغامدية جاءت تائبة وأقام عليهما الحد قيل لا ريب في ذلك، وبهما احتج أصحاب القول الآخر، وسألت شيخا عن ذلك فأجاب بما مضمونه أن الحد مطهر وأن التوبة مطهرة، وهما اختاروا التطهير بالحد على التطهير بمجرد التوبة وأبيا إلا أن يطهرا بالحد، فأجابهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وأرشد إلى اختيار التطهير بالتوبة على التطهير بالحد، فقال في حق ماعز: "هلا تركتموه يتوب فيتوب الله