وأما كثرة السؤال في المتشابه وفي العقائد، فقد كانوا ينكرون عليه أشد الإنكار، ومن ذلك ما روى البيهقي أن مالكا رحمه الله سأله رجل عن الاستواء فأطرق وأخذته الرحضاء وقال:"الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة أخرجوه"، وروي أن رجلا في عهد عمر يدعى صبيغ بن عسل كان يجادل الناس في المتشابه فدعا به عمر وسأله أن يعيد عليه كلامه، فلما سمع منه أمر بجريد أخضر رطب فأتي بحزم منه، فقال:"سبيل محدثة"، ومازال يجلده حتى أدمي ظهره، ثم تركه حتى برئ فدعا به وجلده حتى أدمي ظهره، ثم تركه حتى برئ ثم دعا به ليجلده فقال الرجل:"إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا، وإن كنت تريد مداواتي فقد والله برئت"، فنفاه إلى أرضه وأمر واليها بأن يعتزله الناس ولا يكلموه. وليت شعري: إذا أراد حاكم اليوم أن يتبع سنة الفاروق هذه كم رجلا يجلد.. وكم رجلا يطرد.. فقد أصبح أكثر من رأى نفسه يحمل قلما يتشدق على دين الله بما لا يرضى الله..
فنسأل الله العصمة من الزلل، والسداد في القول والعمل..