فأحب أن يشعر القوم بحقيقة الموقف، حتى يبصروا على ضوئه ما يفعلون. والمسلمون الذين خرجوا لأمر يسير ما لبثوا أن ألفوا أنفسهم أمام امتحان شاق، تيقظت له مشاعرهم، فشرعوا يقلبون الأمر على عجل، تكاليفه ونتائجه، وثار منطق اليقين القديم فأهاج القوم إلى الخطة الفذة التي لا محيص عنها لمؤمن.
استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك. والله لا نقول لك ما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون مادامت عين تطرف- فوالذي بعثك بالحق- لو سرت بنا إلى برك الغماد (مدينة بالحبشة) لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فقال له الرسول: "خيرا ودعا له".
وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحك وأشرق وجهه عندما سمع مقالة المقداد وبايعه الناس جميعا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"أشيروا علَّي أيها الناس؟ " فقال عمر رضى الله عنه: "يا رسول الله إنها قريش وعزُّها والله ما ذلت منذ عزت، ولا آمنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتأهبْ لذلك أهبته، وأعد لذلك عدته".