فلقد كره بعضهم القتال، وعارض فيه، لأنهم لم يستعدوا لقتال، إنَّما خرجوا لمقابلة الفئة الضعيفة التي تحرس البعير، فلما علموا أن قريشا قد نفرت بخيلها ورجلها وشجعانها، وفرسانها وركبانها, كرهوا لقاءها كراهية شديدة حتى قال أحد الحاضرين: إلى مذبحة تقودنا يا محمد.
روي عن أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ونحن بالمدينة-: "إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل الله أن يغنمناها؟ "فقلنا: نعم. فخرج وخرجنا، فلما سرنا يوما أو يومين قال لنا:" ما ترون في قتال القوم؟ إنهم أخبروا بخروجكم", فقلنا: لا والله مالنا طاقة بقتال العدو، ولكنا أردنا العير. ثم قال:"ما ترون في قتال القوم؟ " فقلنا: مثل ذلك. فقال المقداد بن عمرو:"إذن لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ".
قال: فتمنينا معشر الأنصار أن لو قلنا كما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم.
قال: فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[٥](الأنفال آية ٥) .
فهذا ما حاك في نفوس فريق من المؤمنين يومئذ وما كرهوا من أجله القتال حتى ليقول عنهم القرآن الكريم:{كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}(الأنفال آية ٦) .
وذلك بعد ما تبين الحق وعلموا أن الله وعدهم إحدى الطائفتين وأنه لم يبق لهم خيار، وأن عليهم أن يلقوا الطائفة التي قدر الله لهم لقاءها كائنة ما كانت. كانت العير أو كانت النفير. كانت الضعيفة التي لا شوك لها. أم كانت القوية ذات الشوكة والمنعة.