قال تعالى من سورة آيتنا هذه التي نريد تفسيرها للقراء الكرام:{مَا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} ، أي بأن يُقَالَ لمن كان مُتَبَنّيً: أخي، أو مولاي.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنّى في الجاهلية قبل أن يوحى إليه زيد بن حارثة الكلبي, وسبب ذلك أن زيداً جاء به حكيم بن حزام بن خويلد مع رقيق من الشام فدخلت عليه عمته خديجة وهى يومئذ زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لها حكيم: اختاري يا عمتي من هؤلاء الغلمان ما شئت فاختارت زيداً، ثم استوهبها إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبته إياه فاعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه, فكان يعرف بزيد بن محمد صلى الله عليه وسلم, وجاء الإسلام فأسلم زيد أول من أسلم من الموالي ولما نزلت الآية المذكورة آنفاً وفيها:{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} قال زيد: أنا زيد بن حارثة راغباً عن نسبة التبني إلى نسبة البنوة الحقة.
وكونه يتخلى عن النسبة الكلامية هذا أمر سهل، ولكن الصعب التخلي عن أحكام التبني كنكاح امرأة المتبني مثلا، فهذا لا يقدر عليه إلا شجعان العقول والقلوب. وأراد الله تعالى القضاء على هذه العادة نهائياً وبكل تبعاتها، فأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يزوج مولاه زيداً، وأعلمه أنه سيطلقها بإرادته واختياره، وأنه سيزوجه بها بعد طلاق زيد لها.