فَمنْ أراد التخيّر في قضاء الله ورسوله فقد آثر الكفر على الإيمان والمعصيّة على الطاعة، ومن يعص الله ورسوله فيما يأمران به وينهيان عنه مما هو عقائد وشرائع وأحكام فقد ضلّ طريق الفلاح والنجاح وسلك سبيل الخيبة والخسران والعياذ بالله.
هداية الآية:
إن من هداية هذه الآية وضعَها الحد الفاصل بين الكفر والإيمان كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" وقال: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" فجعل إقام الصلاة حداً فاصلاً بين الكفر والإيمان.
فكذلك هذه الآية، فإنها أفهمت أن من يزعم أن له حق الرفض والقبول في شرائع الله تعالى والتخيّر بينها فما وافق مصالحه وناسب هواه وشهواته، اعتقده أو قال به أو عمله وما تنافى مع مصالحه أو هواه أو شهواته رفضه معتذراً أو غير معتذر، فإنه كافر غير مؤمن ولا مسلم, فإما أن يراجع دين الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح، وإلا فليس هو بمؤمن؛ وذلك لأن الإيمان يثمر الإسلام وهو الإذعان والانقياد لأحكام الله وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم. ودلالة الإسلام على الإيمان كدلالة الثمر على الشجر، فلا يتصور وجود ثمر بلا شجر, كما لا يتصور وجود إيمان بلا إسلام, هذه حقيقة قررتها هذه الآية، وبالرجوع إلى سبب نزول الآية والتأمل فيه -وقد تقدم- تتجلى هذه الحقيقة واضحة أكثر، والله المستعان.