فإذا ما حاولنا بعد ذلك التعرف على جهوده في ميدان اللغة فإننا سنجدها مبثوثة في مصنفاته الأدبية أو في مفردات ألفاظ القرآن بوجه خاص أو في سائر مصنفاته. وقد برزت له معها جهود لغوية أخرى يمكن أن نجمعها في شكل قضايا لغوية متفرقة، سنعرض لها- إن شاء الله- بعد أن نقف على ما حوت مصنفاته أولاً من هذه الجهود.
أما في مصنفاته الأدبية فقد عني باللغة عناية خاصة تمثلت في تجميع مفرداتها المتلاقية المعاني المختلفة الأشكال في أسر لغوية، تجد ذلك في الأفعال وفي الأسماء وفي التراكيب التي يقترب بعضها من بعض في الدلالة وتختلف عنها في الصياغة.
ففي معنى (الكبر والضعف) يقول: "احقوقف ودنف وتأطَّر وانحنى، وخانته القوى، وخذلته الأركان، وتقوس من الكبر، وبلِي كما يبلى الشجر، غيض بصره وأجلاده، ولان أجياده، صار كعظم الرمة البالي"[١٣] فالأفعال الأربعة الأولى أفادت المعنى بنفسها، أما سائر أفعال هذا المعنى فلم تتضح إلا بإكمال التركيب الذي ترد فيه.
وفي جميع المفردات الاسمية التي تنتظم تحت معنى واحد وفي توضيحها ننظر إلى المثال التالي:"القَرْم أكل الصبيِ والخضْد للعقل والخَضْم للرطب والقَضْم لليابس، والقطم بأطراف الأسنان كالرمان، والكَشْم والكَشْذ كنحو القثاء، والَمسْغ والمسع كالبطيخ والكَشْب للحم، والعَلْك لكل معقود والكشّ لذوات الحافر"[١٤] .
أليس يذكرنا الراغب في مثل هذه المجموعات، وما أكثرها في مجمع البلاغة بوجه خاص وفي المحاضرات، بما عرف في فقه اللغة بالفروق والذي ظهر بشكل واضح في كتاب أبي منصور الثعالبي (فقه اللغة وسر العربية) ؟.
إن الباحث حينما يتعمق في هذه المجموعات اللغوية أو الأسر اللغوية في أعمال الراغب، يجد أنه لا يبعد كثيراً عن المراحل المتتالية التي قطعتها معاجم المعاني حتى ارتقت في كتاب الثعالبي في الشرق وفي مخصص ابن سيده في الغرب [١٥] .