وقد صنَّف في مثل هذه المجموعات اللفظية قدامة بن جعفر، أيضا، كتابا في (جواهر الألفاظ)[٢١] وكان الفصل الأول فيه باب إصلاح الفاسد. وقدامة من كتاب القرن الرابع الذي أظل الراغب، فيما نرجح، وأظل أبا منصور الثعالبي. ويبدو أنهم لم يكتفوا بمرحلة السمع والتأنقات اللفظية بل تخطوها إلى التأليف في الألفاظ، كما يلاحظ باحث حديث [٢٢] ، وهو يعني أنهم جعلوا ينظرون إلى الألفاظ نظرة تفوق ما بينها من محسنات إلى مستوى تجميعها في أسر ومجموعات.
وقد نجد أن الراغب كان يغتنم فرصة التعبير الغامض فيبادر إلى شرحه من خبرته اللغوية، شرحا معجميا، دقيقا، مثل قوله:"اللَّفَفُ أن يدخل بعض حروف في بعض، والعُقْله أن يعتقل لسانه، واللّكْنَه إذا دخل حروف العجم منه والحُكْلة نقص في آلة الكلام "[٢٣] . وكثيرا ما يرد الكلمات إلى معانيها اللغوية الأولى التي اشتقت منها، كقوله:"كَعَمه الخوف من الكِعام الذي يوضع على أنف البعير"[٢٤] وقوله: "المخضرم الذي لحق الجاهلية والإسلام, وقيل مخضرم الدولتين لمن لحق بني أمية وبني العباس وأصله من لحم مخضرم أو من المخضرمة وهى القطعة التي تقطع من أذن الناقة "[٢٥] .
أما ما في المفردات ثم ألفاظ القرآن من جهود لغوية فإننا نحاول أن نتعرف عليها الآن، بعد ما حاولنا الإشارة إلى ما في هذا المصنف الكبير من أثر في التفسير القرآني ولنتعرف على منهجه في هذا المصنف وعلى غايته من تصنيفه من مقدمته، يقول فيها:" وقد استخرت الله في إملاء كتاب مستوفي فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي، فتقدم ما أوله الألف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم، معتبرا فيه حروفه الأصلية دون الزائدة، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب"[٢٦] .