حقائبهم وخرجوا إلى غير رجعة بعد أن تمكنوا مدة طويلة من السيطرة الاقتصادية والثقافية ومن العيث في الأرض فسادا في هذه المدينة وتسلسلت حوادث التاريخ الإسلامي في ذهني إلى أن فتحت فارس والروم ثم امتدت فتوح الإسلام إلى شرق الدنيا وغربها ...... ثم انتقل ذهني إلى تجار المسلمين وهم يفتحون البلدان بالقدوة الحسنة والمعاملات النظيفة الشريفة، ومن تلك البلدان أندنوسيا التي أزمعت السفر إليها.
.. وقلت في نفسي: ما الذي سأعمله في هذه الرحلة القصيرة، وما المنهج الذي أسير عليه ويفيد من سألتقي بهم في هذه المدة..
ثم خرجنا من المسجد النبوي بعد أداء الصلاة وزيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما، ورجعنا إلى المنزل فودعنا الأسرة وأخذنا أثاثنا وانطلقنا إلى مطار المدينة المنورة، وما كنت أفكر في قضاء رمضان خارج الحرمين الشريفين بما فيهما من روحانية إيمانية قلما توجد في غيرهما- ولكن ما أزمعت السفر من أجله كان يسليني ويذكرني بخروج أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا البلد إلى غيره للدعوة إلى الله..
وفي قاعة المطار سرح خيالي إلى وسائل المواصلات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وكيف استطاعوا أن يصلوا إلى كل بقعة في الأرض أمكنهم الوصول إليها فنشروا فيها هدى الله وراية الحق. وقارنت ذلك بما يسره الله لنا من الوسائل في هذا العصر من وسائل المواصلات وغيرها مما لو حصل أن استغله المسلمون في الدعوة إلى الله لما بقي شبر في الأرض لم تبلغه الدعوة إلى الله وأن المسلمين الآن كلهم آثمون لما يسره الله لهم من ذلك ومن عدم قيامهم بواجبهم من التخطيط العلمي الكامل والتنظيم الدقيق والسعي الجاد بكل قوة لإيصال دين الله إلى الناس كافة مسلمهم الجاهل وكافرهم الجاحد.