قلت: وفي حديثي عبد الله بن عمرو وعلي رضي الله عنهم المتقدم ذكرهما ما يدل على أن نهيهن عن اتباع الجنائز نهي تحريم لا تنزيه، وفي ذلك دليل واضح على منعهن من زيارة القبور إذ العلة بين الحكمين مشتركة فصح أن الاستدلال به في جانب المنع أولى وأَرجح والله أعلم.
وأما حديث أنس عند البخاري:"مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأَة تبكي عند قبر على صبي لها، فقال: اتق الله واصبري" الحديث؛ فهو كذلك حجة للمنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرها بل أمرها بتقوى الله التي هي فعل ما أَمر به وترك ما نهى عنه ومن جملتها النهي عن زيارة النساء للقبور وقال لها:"اصبري"ومعلوم أن مجيئها للقبر وبكاءها مناف للصبر، فلما أبت أن تقبل منه لأنها لم تعرفه انصرف عنها، فلما علمت أنه صلى الله عليه وسلم هو الآمر لها جاءته تعتذر إليه من مخالفة أمره. فأي دليل في هذا الحديث على جواز زيارة النساء للقبور؟ ومع هذا فلا يعلم أن هذه القضية كانت بعد لعنه صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، ونحن نقول إما أن تكون دالة على الجواز فلا دلالة على تأخرها عن أحاديث المنع، أو تكون دالة على المنع لأمرها بتقوى الله فلا دلالة فيها على الجواز، وعلى كلا التقديرين فلا تعارض هذه القضية أحاديث المنع ولا يمكن دعوى نسخها بها والله أعلم.
وأَما حديث بريدة رضي الله عنه: فقد قال المجيزون: إن هذا الخطاب يتناول النساء بعمومه، بل هن المراد به فإنه إنما علم نهيه عن زيارتها للنساء دون الرجال وهذا صريح في النسخ لأنه قد صرح فيه بتقديم النهي ولا ريب في أن المنهي عن زيارة القبور هو المأذون له فيها والنساء قد نهين عنها فيتناولهن الإذن.