وإن كان الذابح مجوسيا لم تؤكل، سواء ذكر اسم الله عليها أم لا، بلا خلاف فيما نعلم إلا ما نقل عن أبي ثور من إباحته صيده وذبيحته لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب"[١] ولأنهم يقرون على دينهم بالجزية كأهل الكتاب فيباح صيدهم وذبائحهم.
وقد أنكر عليه العلماء ذلك واعتبروه خلافا لإجماع من سبقه من السلف, قال ابن قدامة في (المغني) : "قال إبراهيم الحربي: خرق أبو ثور الإجماع، قال أحمد: هاهنا قوم لا يرون لذبائح المجوس بأساً، ما أعجب هذا؟ يعرض بأبي ثور.
ومما رويت عنه كراهية ذبائحهم: ابن مسعود، وابن عباس وعلي وجابر وأبو برزة وسعيد بن المسيب وعكرمة والحسن بن محمد وعطاء ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومرة المهراني والزهري ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي قال أحمد: ولا أعلم أحدا قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة.
ولأن الله تعالى قال:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار ولأنهم لا كتاب لهم فلا تحل ذبائحهم كأهل الأوثان، ثم قال ابن قدامة: "وإنما أخذت منهم الجزية، لأن شبهة الكتاب تقتضي تحريم دمائهم فلما غلبت في تحريم دمائهم وجب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم ذبائحهم ونسائهم احتياطا للتحريم في الموضعين ولأنه إجماع، فإنه قول من سمينا، ولا مخالف لهم في عصرهم ولا فيمن بعدهم إلا رواية عن سعيد روي عنه خلافا"انتهى من (المغنى) .
وإن كان الذابح من المشركين عباد الأوثان ومن في حكمهم ممن سوى المجوس وأهل الكتاب، فقد أجمع المسلمون على تحريم ذبائحهم سواء ذكروا اسم الله عليها أم لا، ودل قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} بمفهومه على تحريم ذبائح غيرهم من الكفار، وإلا لما كان لتخصيصهم بالذكر في سياق الحكم بالحل فائدة.