ولكن هل استسلمت ورضيت من الغنيمة بالإياب؟!! لا.. لقد بيت أمرا وعزمت على تنفيذه ولم تزدني تلك المعاملة وذلك الوضع (المزري) إلا إصرارا على تنفيذ ذلك الأمر إنه التعليم.. فقد التحقت بالمدارس الليلية لمواصلة تعليمي والالتحاق بركب العلمِ وهكذا كنت (كادا) كادحا بالنهار ساهرا مجدا بالليل.. وهذه هي خطوات حياتي الأولى.. وبدأت أشق طريقي عبر هذا الطريق الشاق الشائك.. أذكره لك كي تعلم كم عانيت في السنين الماضية من جراء أميتي وكم تحملت من لذع الكلام وسيء التصرف بسبب هذا الكابوس. إن الجهل - يا صديقي- ثوب أشد سوادا من الليل.. إنه الموت البطيء والحياة المسلوبة.. ولكن لكل عقدة حلا ولا بد لليل من نهار يجلي سواده..
أنت تراني الآن على خير حال فقد بلغت في المنصب علوا وفي الجاه منزلا كل ذلك بفضل الله تعالى ثم بقوة عزيمتي وصدق نيتي.
هذه بدايتي مع معترك الحياة.. فلم أرس على الشاطئ إلا بعد أن تقاذفتني الأمواج حتى كدت أن أغرق.. ولم تأت هذه الشهادة التي أنا أحملها (الدكتوراه) من فراغ.. وليست هذه البحوث والمؤلفات المنشورة باسمي إلا عصارة تلك الأيام..
إنه لشيء عجيب غريب أثار اندهاشي وحرك مكامن الفضول في نفسي لتسأل الكثير.. ولكن أكتفي بما سمعته ففيه الكفاية ولا يسعني وأنا أسمع ملحمتك هذه مع الحياة ونصرك المؤثر على نكبات الدهر إلا أن أهنئك وأشد على يدك وأدعو لك بالخير والسداد فنعم الرجل أنت..