وإنه مما لاشك فيه أن الفضائل والأخلاق الكريمة تتجه بصاحبها إلى ما يتعارض كلية مع اتجاه التفسخ والرذائل، فلكل من الفريقين اتجاه يعمل جاهدا من الوصول إليه، فالوقار واحترام مشاعر الآخرين، وغض البصر والاهتمام براحة الجيران، والتعاون القائم على أساس المحبة والعدالة، كل ذلك يستدعي نمطا معينا يؤدي إلى تحقيق المراد، وبالعكس من يتصف بضد تلك الأخلاق.
ومن هنا كان للاستقامة أثر إيجابي في مضمار التطور إلى الأفضل من الأعمال، ذلك لأن الاستقامة في مفهوم الإسلام هي الاعتدال في كل الأمور أو هي التوسط بين طرفي النقيض بحيث لا يميل صاحبها إلى الإفراط أو التفريط، ولا إلى الإسراف أو التقتير، ولا إلى التهور أو الجبن ولا إلى التفسخ أو الرهبة، ولهذا كانت الاستقامة دافعا إلى البحث عن الأفضل من الأقوال والأعمال، فهي إذا دافع إلى التطوير والتشييد. وبقدر ما تكون تلك الدوافع الذاتية المنبعثة من النفس البشرية عوامل مهمة ومؤثرة على التطور الإنساني، وبقدر ما يكون الإبداع في التطور والرقي ناجما عن تلك الدوافع يكون الإنسان سعيدا متمتعا بكل مباهج الحياة، آخذا من متاعها الحلال الطيب بقدر ما يحتاج. {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(لأعراف: من الآية٣٢) .
وليست الدوافع الخارجية بنوعيها المادي والأدبي بأقل تأثيرا في عملية التطوير في حياة الناس من الدوافع الذاتية، بل لها من الأثر في التطوير والإنتاج ما يضعها مع الدوافع الذاتية في صف واحد، فمنح الجوائز للمبتكرين، وتقدير الأمة لأبنائها المبرزين من الدوافع الحقيقية التي لا ينبغي إغفالها أو السكوت عنها، بل يجب إبرازها كعوامل لها خصائصها في تطوير الحياة وتقدمها.