والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم أعظم من قاموا بأخطر وأجل الهجرات في التاريخ، فهجرتا الحبشة قبل الهجرة الكبرى كانتا من رجال ونساء من أكرم الصحابة والصحابيات على السواء، تمسكا بالحق الأعظم والتزاما بالدين الأقوم، وتحملوا في ذلك من وعثاء الأسفار وعناء الاغتراب ما تحملوا، حتى أتاهم النصر العظيم والفرج العميم بالهجرة الكبرى المحمدية، التي سادت كل هجرات الدنيا ولم يحك التاريخ لها نظيرا، فقد تحولت إلى إعصار عات لكل شرك وكفر تذروه من على سطح الأرض، وحولت الدياجير المظلمة إلى نور وضاء حمله الرسول أكبر مهاجر يحمل معه أكبر حق مصور أصدق تصوير في آية الهجرة هذه {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً} الإسراء ٨٠، والمدخل الصدق هو البلد الذي هاجر إليه وهي المدينة التي أنيرت بالحق الذي حمله معه إليها، وسميت بالمدينة المنورة من يومها إلى الآن وإلى يوم القيامة، والمخرج الصدق في الآية هو البلد الأمين الذي هاجر منه مكة بلد الله الحرام، فهو صلى الله عليه وسلم خرج من مكة بصدق التوحيد ودخل المدينة بالصدق نفسه، وبنفس هذا الصدق وخيره وعزته جعل الله له كما حكت الآية سلطانا نصيرا، قوة ومنعة أذل بها الجبابرة وقهر بها الأكاسرة والقياصرة، هو وأصحابه الذين تتبعوا الخطى وساروا على الأثر ... ثم نحن أيضا خير من هوجر إلينا، يقول كتابنا المعظم:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} ، حتى النساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنّ} وقصة الأنصار من أهل المدينة في لقائهم للمهاجرين علم الله أنها تستحق أن تخلد في أخلد كتاب بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ