للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما انكشفت الغمة وزالت المحنة وولى أمر المسلمين المتوكل على الله وكان سلفيا يحب أهل السنة والجماعة بعث بصرة للإمام أحمد فلم يقبلها فأصر الخليفة إلا أن يقبلها وأصر أحمد على عدم قبولها جعلها الخليفة في ولده وأهله. فقال أحمد لولده وأهله يلومهم: إنما بقي لنا أيام قلائل، وكأننا وقد نزل بنا الموت فإما إلى الجنة وإما على النار، فنخرج من الدنيا وبطوننا قد أخذت من مال هؤلاء.!!! فاحتجوا عليه بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر: "ما جاءك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مستشرف فخذه "وابن عمر وابن عباس قبلا جوائز السلطان، فقال: وما هذا وذاك سواء، ولو أعلم أن هذا المال أخذ من حقه وليس بظلم ولا جور لم أبال.

ولما علم المتوكل ببراءة أحمد مما نسب إليه حيث وشى به الواشون فحوصر بيته ليلا وفتشته تفتيشا دقيقا عما يثبت ولاءه للعلويين وتواطؤه معهم بعث إليه الخليفة مع أحد حجابه بعشرة آلاف درهم، وقال هو يقرئك السلام ويقول لك استنفق هذه فامتنع من قبولها. فوضعها عنده ثم ذهب، فلما كان من آخر الليل استدعى أحمد أهله وبني عمه وعياله، وقال لم أنم الليلة من هذا المال، فجلسوا وكتبوا أسماء جماعة من المحتاجين من أهل الحديث وغيرهم من أهل بغداد والبصرة، ولما أصبحوا فرقوها كلها حتى الكيس الذي كانت به تصدق به ولم يعط منها أهله وأولاده شيئا وهم في غاية الجهد والفاقة والفقر وهكذا تجلت ربانية أحمد وصدقه فيها فكان بذلك إماما وقدوة فيها وفي غيرها من سائر الكمالات النفسية.