وقد كان دين الرسل واحدا كما قال سبحانه:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}(الشورى آية ١٣) . وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولكل واحد من أتباعه في سورة آل عمران:{قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(الآية ٨٤) .
وإذا نظرنا إلى طبيعة الدعوة المحمدية وخصائصها نرى أنها مرت بمراحل كثيرة، وكلها بإذنه تعالى وأمره، وبمقتضى حكمته في خلقه، فكانت الهجرة من مكة إلى المدينة مرحلة هامة من مراحل الدعوة الإسلامية، ونقطة تحول خطير في انتشارها في أرجاء الأرض، وهي التي مهدت السبيل لوصولها إلى مختلف القبائل العربية، ودعت الأمم والشعوب لاستطلاع حقيقة هذه الدعوة وصاحبها وجذبت الوفود من داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وفتحت الأبواب إلى فتح مكة ثم إلى فتوحات أخرى عديدة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدأ دعوته في مكة، من أول نبوته، سرا، وبعد أن مضى في هذه المرحلة من الدعوة السرية أو المحدودة مدة ثلث سنين، أمره الله تعالى أن يدعو الناس إلى الإسلام علنا، فكان يذهب إلى الناس في مواسم الحج كل عام، وإلى المواسم الأخرى في عكاظ، ومجنة، وذي المجاز وغيرها من الأسواق العربية الشهيرة، واستمر هذا الدور المكي العلني من الدعوة الإسلامية لمدة عشر سنين أخرى، أي أنه استمر يدعو قومه ثلاث عشرة سنة، ولقي من الأذى هو المؤمنون به الكثير، ثم أمره الله بالهجرة إلى المدينة.