وقال عمرو بن معديكرب لمشاجع السلمي [٤٣] : "لله دركم يابني سليم قاتلناكم فما أجبلناكم (أي فما وجدناكم جبناء) ، وسألناكم فما أبخلناكم (أي ما وجدناكم بخلاء) ، وهاجيناكم فما أفحمناكم (أي فما أسكتناكم) "
وجاء في الشعر قوله [٤٤] :
وكل شيء سوى الفحشاء يأتمر
لا يصعب الأمر إلا ريث يركبه
ومعناه لا يصعب الأمر لآ يجده صعبا كقولهم أبخلته وجدته بخيلا فهو لا يجد الأمر صعبا إلا وقت ركوبه.
وقد عقد الجواليقي بابا خاصا بأفعلت الشيء أي وجدته على صفته وقال ابن جني في الخصائص ج٣ ص٢٥٣: واذكر يوما وقد خطر لي خاطر مما نحن بسبيله فقلت: لم أقام إنسان على خدمة هذا العلم ستين سنة حتى لا يحظى منه إلا بهذا الموضع لما كان مغبونا فيه ولا منتقص الحظ ولا السعادة به وذلك قول الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} ولن يخلو {أَغْفَلْنَا} هنا من أن يكون من باب أفعلت الشيء أي صادفته ووفقته كذلك كقوله: (وأهيج الخلصاء من ذات البرق)[٤٥] أي صادفها هائجة النبات وقوله: (فمضى وأخلف من قتيلة موعدا [٤٦] ) أي صادفه مخلفا.
وقوله:[٤٧]
بآخرنا وتنسى أولينا
أصم دعاء عازلتي تحجّي
وقوله:[٤٨]
عن الجود والمجد يوم الفخار
فأصممت عمرا وأعميته
أي صادفته أعمى: وحكى الكسائي: دخلت بلدة فأعمرتها أي وجدتها عامرة ودخلت بلدة فأخربتها أي وجدتها خرابا ونحو ذلك.
ثم يعقب ابن جني بعد هذا بقليل بقوله: وإذا صح هذا الموضع ثبت به لنا أصل شريف يعرفه من يعرفه ولولا ما تعطيه العربية صاحبها من قوة النفس ودربة الفكر لكان هذا الموضع ونحوه مجوزا عليه غير مأبوه له.