وكذلك ما فيها من الكواكب والشمس والقمر والعجائب التي تتقاصر عقول البشر عن قليلها، فكم من قسم في القرآن بها كقوله والسماء والطارق، والسماء ذات البروج والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنجم إذا هوى، فلا أقسم بالخنس والنجم الثاقب، فلم يقسم بشيء من مخلوقاته أكثر من السماء والنجوم والشمس والقمر، وهو سبحانه يقسم بما يقسم به من مخلوقاته لتضمنه الآيات والعجائب الدالة عليه، وكل ما كان أعظم آية وأبلغ في الدلالة كان إقسامه به أكثر من غيره ولهذا يعظم هذا القسم كقوله:{فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ, وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[٩] .
ويقول سيد قطب في ظلال القرآن:
"ولم يكن المخاطبون يومذاك يعرفون عن مواقع النجوم إلا القليل الذي يدركونه بعيونهم المجردة، ومن ثم قال لهم:{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} . فأما نحن اليوم فندرك من عظمة هذا القسم المتعلقة بالمقسم به. نصيبا أكبر بكثير مما كانوا يعلمون، وإن كنا نحن أيضا لا نعلم إلا القليل من عظمة مواقع النجوم، وهذا القليل الذي وصلنا إليه بمراصدنا الصغيرة المحدودة المناظر، يقول لنا إن مجموعة واحدة من مجموعات النجوم التي لا تحصى ... هي مجموعة المجردة التي تنتسب إليها أسرتنا الشمسية تبلغ ألف مليون نجم"[١٠] .
ويقول الفلكيون إن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين نجم، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة، وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه، هذه كلها تسبح في الفلك الغامض، ولا يوجد أي احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر أو يصطدم بكوكب آخر، أو يصطدم بكوكب آخر، إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي يسيران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة، وهو احتمال بعيد، وبعيد جدا، إن لم يكن مستحيلا [١١] .