ونعلم أنها قد تغيرت بنا الأحوال، وتنقلت بنا الأطوار، تنقلا عجيبا، فكنا نطفا، ثم علقا، ثم مضغا، ثم لحما ودما، ثم عظاما صلبة، متفرقة في ذلك اللحم والدم تقويهما، وعصبا رابطة بيت تلك العظام صالحة لذلك الربط، مما فيها من القوة والمتانة، ثم تركب من ذلك آلات وحواس حية موافقة للمصالح، مع ضيق ذلك المكان وشدة ظلمته، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}(الزمر /٦)[٢٣] .
وبعد فهذا هو حديث القرآن عن خلق الإنسان من تلك النطفة، في تلك الظلمات الثلاث، فماذا يقول العلم عن ذلك؟.
الحقيقة إننا في هذا البحث لا نريد إيراد نظريات نفسر بها القرآن الكريم، ذلك لأن النظريات، أمور بنيت على التقدير والتخمين، فلم يكن لها أصل ثابت تعتمد عليه، ولذا فهي تنقض اليوم ما قررته بالأمس وقد تنقض غدا ما قررته اليوم، والقرآن كلام الله الحق الثابت الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي هو حق بإنزال الله إياه، كما قال تعالى:{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}(الإسراء /١٠٥) .
ولذا فإننا سنقتصر على ما ورد ذكره في كتاب الله تعالى ففيه الكفاية، لهداية البشرية.
وكل قول يقال، ويحمل به كتاب الله فالخطأ الناتج عن ذلك، هو من عقم فهم ذلك القائل وتفسيره، أما القرآن فحق ثابت، وسيتسع لكل حقيقة علمية ثابتة لا تتغير، إذ أنه الكتاب الذي لا تُبلى جدته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.