للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا كله فيما يتصل بموقف الراغب من الفرق السياسية كالشيعة والدينية الفكرية كالمرجئة والمعتزلة. إما فيما يتصل بأثر الراغب في الفكر الديني فإننا لا نكاد نجد له ذكرا في فكر من نغلب أنهما كانا معاصريه، ونعني بهما ابن مسكويه (٤٢١) وأبي حيان التوحيدي (٤٢٨) . وقد ذكر هو الأول أكثر من مرة. لكننا نكرر هنا ما كثر قوله من أن أبا حامد الغزالي كان يستحسن كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب ويستصحبه لنفاسته [٢٣] . وهو أمر ربما استطعنا فيه الإشارة إلى بعض الأمثلة مما تأثره حجة الإسلام من هذا الكتاب.

بينه وبين الغزالي:

فبعد أن يقسم الغزالي العلوم العقلية إلى ضرورية لا يدري من أين حصلت، ومكتسبة وهي المستفادة بالتعلم والاستدلال (ويسميها الراغب غريزية ومستفادة) ، بعد هذا يورد الأبيات الشعرية التالية لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه:

العقل عقلان

مطبوع ومسموع [٢٤]

فلا ينفع مسموع

إذا لم يك مطبوع

كما لا تنفع الشمس

وضوء العين ممنوع

وكان الراغب قد أورد أيضا هذه الأبيات ونسبها إلى أمير المؤمنين على بن أبي طالب، ثم يقول أبو حامد: والأول (عن العقل المطبوع) هو المراد بقوله، صلى الله عليه وسلم لعلي: "ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل"والثاني هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "إذا تقرب الناس إلى الله تعالى بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك" [٢٥] .

أما عبارة الراغب فهي: "وإلى الأول أشار النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله لعلي رضي الله عنه: "إذا تقرب الناس إلى خالقهم بأبواب البر فتقرب أنت إليه بعقلك تسبقهم بالدرجات والزلفى عند الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة" [٢٦] . أليس بين هذين الخبرين قرابة ما؟.