وقد استدل لهذا الرأي الذي لم يعرف من قال به من الفقهاء القدامى وإن كان قد حظي باختيار الشوكاني صاحب نيل الأوطار وقد استدل له بما يلي:
أ_ عن أنس رضي الله عنه قال:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر، قال فنزلنا منزلا في يوم حار أكثرنا ظلا صاحب الكساء ومنا من يتقي الشمس بيده قال: فسقط الصوام وقال المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب المفطرون اليوم بالأجر"[٣٤] .
ب_ نقل صاحب الفتح ما رواه الطبري عن طريق مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"إذا سافرت فلا تصم فإنك إن تصم، قال أصحابك: اكفوا الصائم ارفعوا للصائم وقاموا بأمرك، وقالوا فلان صائم فلا تزال يذهب أجرك "[٣٥] .
فحديث أنس وأثر ابن عمر واضحان في دلالتهما على تأثير هذه الآفات على الصيام لكن من الممكن السلامة من ذلك: إذا خدم الإنسان نفسه وقام بما يجب عليه من المشاركة في الخدمات العامة للرفقة المسافرين معه وأخلص نيته في صيامه.
المختار من هذه الأقوال:
أرى أن الرأي الذي يذهب إلى أن أيسر الأمرين هو أفضلهما: هو الأولى بالاختيار لما يلي:
أ_ أنه يترتب على الأخذ بهذا الرأي تحقق الحكمة التي جاء الترخيص في الفطر من أجلها، وهي اليسارة والسهولة. قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}
ب_ يتجلى تحقق هذه الحكمة من مطابقة هذا الرأي لطبائع الناس واختلاف قدراتهم، فمنهم من يتيسر له الصوم ولا يرى فيه كلفة أو مشقة، بل ربما كان يرى فيه راحته وصحته فطلب الفطر من مثل هذا فيه مشقة له، ومنهم من لا يتيسر له الصوم إلا إذا كان مقيما مستريحا لا يقوم بأي عمل أو يقوم بأعمال يسيرة غير مجهدة وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم البر عن صوم مثل هذا في السفر.