ففي الشعر الجاهلي نجد نصوصاً كثيرة. وإن كانت متناثرة – تصور ما أحدثته الخمر بشاربيها، وما نالت من كرامتهم، وما تعرضوا له بسببها من مهانة واحتقار، فطرفة بن العبد – وهو من أشهر واصفيها والمولعين بها والمدمنين عليها – يصور في معلقته ما ناله بسببها من تحامي عشيرته له، وإبعاده عنها حتى اجتنب منهم، وعزل البعير الأجرب الذي يعزل عن الإبل الصحاح حتى لا يصيبها بعداوه، وذلك حيث يقول:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي
وبيعي وإتلافي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها
وأفردت إفراد البعير المعبد
ومع شيوعها في الجاهلية وفقدان الوازع الديني الذي يحرمها لم يكن معاقروها مثلا أعلى يحتذي به بين الرجال، ولا كانوا قدوة صالحة بين الناس، لأنهم ساقطو الهمة لا يرجيهم الناس لدفع ضرر أو جلب منفعة، وذلك ما يصوره قول أحد شعراء الجاهلية:
وليس فتى الفتيان من جلُّ همه
صبوح وإن أمسى ففضل غبوق
ولكن فتى الفتيان من راح أو غدا
لضر عدو أو لنفع صديق
وواضح من هذا النص أن المثل الأعلى للفتوة والرجولة هو الشجاع القادر على منازلة الأعداء، الكريم القادر على نفع الأصدقاء، وليس المثل الأعلى للرجال ذلك المدمن على الشراب في صباحه ومسائه، فهو منعدم المروءة، ساقط الهمة، لا يرجى في حرب ولا سلم لأنه جعل همه هواه.