وقد حرمت الشريعة الإسلامية الخمر وعاقبت على شربها منذ أربعة عشر قرنا وانفردت بتحريمها والعقاب عليها طيلة هذه المدة حتى جاء العالم في القرن العشرين يشهد للإسلام بأنه كان على الحق في موقفه من الخمر. وذلك بعد أن أثبت العلم أن فيها من الأضرار ما لا يحصى فهي تفسد العقل. والصحة وتؤدي إلى ضياع المال والكرامة [٨] .
التدرج التشريعي في تحريم الخمر:
جاء الإسلام والعرب كانوا في إباحة واسعة يكرهون كل ما يقيد حريتهم أو يحد من شهواتهم. وقد تمكنت من نفوسهم عادات كثيرة لا يستطيعون التحول عنها دفعة فاقتضت الحكمة الإلهية ألا يفاجئوا بالأحكام جملة فتثقل بها كواهلهم وتنفر منها نفوسهم. ولذلك وردت الأحكام التكليفية شيئا فشيئا ليكون السابق من الأحكام معداً للنفوس ومهيئاً لها لقبول اللاحق. وبذلك تكون أوقع في النفس وأقرب للانقياد.
من ذلك تحريم الخمر فإنها كانت متمكنة من نفوس العرب تمكنا اقتضت معه الحكمة الإلهية أن يتدرج القرآن في تشريع أحكامها. فلم يصرح لهم بتحريمها من أول الأمر بل قال في جواب عنها وعن الميسر {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[٩] .
ولا يفهم طلب الكف عنهما من هذه الآية إلا من عرف سرَّ التشريع لأن ما كثر إثمه ينبغي تركه إذ لا يوجد في الأفعال شر محض فالعبرة في الحل والحرمة بغلبة جهة المصلحة أو المفسدة.
وبعد أن أشار القرآن الكريم إلى أنه ينبغي تركها لغلبة إثمها نهى الناس عن الصلاة في حالة السكر قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[١٠] .