وقد غير آدم الأرض فأخرج المخبوء من أسرارها، وسخرها لخدمته، فعمر جديبها، وأحيا مواتها، واستأنس متوحشها، وألان حديدها، حتى أقام تلك المدنيات وهذه الحضارات، فركب البحار وسبح في الفضاء، ووصل إلى الكواكب والأقمار، حتى أخيراً قدميه على القمر.
ثم إن الإنسان لا يقف عند هذا الذي أخرجه من معطيات مدركاته فإن أمام الإنسان مجالاً فسيحاً للبحث في أسرار هذا الكون الذي أودع به الخالق سبحانه مالا ينفذ من آيات علمه، وحكمته وقدرته، فإذا عجز جيل من أجيال الناس عن اكتشاف سر من أسرار الكون جاء الجيل الذي بعده، فحاول أن يكشف عن مكنون هذا السر، وهكذا تتوالى أجيال الإنسانية، كل جيل يبني على ما أقامه الجيل السابق حتى يعلو صرح البناء، وينمو نموا مطردا، ما دام للناس وجود على الكوكب الأرضي [١] .
والمعرفة من أهم خصائص الإنسان، {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} والإنسان خليفة الله الخالق المبدع المسيطر على كل قوى الكون، وهو مخلوق تحتفل به السماوات والأرض، ويتولى الله سبحانه وتعالى إعلان مقدمه على الملأ الأعلى. فالخلافة عن الله فيها معاني الإنشاء والابتكار والتعمير والتغيير والتبديل، وكلها معاني دقيقة لاصطلاح التنمية.