غير أن التجديد في ممارسة الحياة، كالانتقال من الحياة الرعوية إلى الصناعة، أو من الزراعة إلى الحياة الحضرية، أو تطوير المدن من الحارات الضيقة إلى الأحياء الفسيحة بشوارعها العريضة، ومواصلاتها المتقدمة، والانتقال من عصر الدواب إلى عصر البخار ثم الكهرباء فالذرة والطاقة الشمسية، كل ذلك لا يتم بسهولة ويسر، وإنما يتطلب تعليماً وتدريباً وتوافقاً، فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية تنطوي على أعباء ومسئوليات، وتتطلب واجبات واكتساب عادات جديدة ومهارات شتى.
وقد تقصر بعض الهمم دون بلوغ غاياتها المرموقة، فتؤثر السلبية والهروب إلى عالم الأحلام، أو التردي في الفكر الهدام، أو أخطر من ذلك تعاطي المخدرات.
ولا قيمة لتنمية يكون ثمنها ضياع الشباب وهلاك الإنسان، وأي تنمية لا تؤدي إلى خدمة الإنسان واستقراره ورقيه لا جدوى منها، لأن النهضة الناجحة تؤدي إلى سعادة الفرد والمجتمع. فإذا كان التصنيع يحمل في طياته خطر التحول من القيم المتكافلة المترابطة المتماسكة إلى حياة فردية متنافسة متدابرة، يحل فيها الصراع الطبقي محل التواد والتعاون والتآزر، فإن شره خطير ومستطير، ولا شك أن إهمال تعاليم الدين من أهم العوامل المؤدية إلى حالات الاكتئاب النفسي والضياع وفقدان الثقة، مما يؤدي إلى الارتماء في أحضان المخدرات.
ومن معوقات التنمية تلك الهوة السحيقة الفاصلة بين التطور التكنولوجي الصناعي الاقتصادي، والتطور الاجتماعي والنفسي، إذ أنه من السهل إقامة مصنع من المصانع المتطورة، أو استيراد آلة الكترونية معقدة، ولكن من الصعب توفير العمال والفنيين اللازمين لإدارة المصنع وتشغيل الآلات الدقيقة، مع المحافظة على استقرارهم وتكامل شخصياتهم.