نظرا لأن السكر والإدمان كانا من العادات المتأصلة في المجتمع الجاهلي فإن الإسلام لم يفاجئ المسلمين بتحريم الخمر، وإنما أخذ بأيديهم خطوة، خطوة في الطريق الذي أراده الله لهم، وصار يحرمها عليهم بالتدريج، فبدأ أولا بتحريك الوجدان الديني في نفوس المسلمين نحو هجر الخمر والابتعاد عنها، وذلك حين أشار إشارة خفيفة مضمونها أن الخمر والميسر {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} وفي ذلك إيماء للعاقل بترك هذا المشروب الذي إثمه أكبر من نفعه.. لذلك تركها قوم لما فيها من الإثم الكبير وشربها آخرون حيث لم تمنع الآية.
وقال عليه الصلاة والسلام عقبها"إن ربكم يقدم في تحريم الخمر".
ثم حدث أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ودعا إليه عددا من الصحابة فأكلوا وشربوا وسكروا، فلما حضرت الصلاة صلى بهم عبد الرحمن بن عوف - وفي رواية أخرى علي بن أبي طالب - فقرأ قل يا أيها الكافرون، فخلط فيها فنزل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[٦١] .
ومعلوم أن أوقات الصلاة متقاربة، لا تكفي الأوقات التي بين كثير منها للسكر والأفاقة، ولا شك أن في ذلك تضييقاً لفرص التعاطي وكسراً لعادة الإدمان التي مرنوا عليها.
ومدمن الشراب إذا اجتاز الوقت الذي اعتاد الشراب فيه وتكرر ذلك منه فترت حدة العادة عنده وسهل عليه التغافل عن الشراب وتركه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام بعدها أن ربكم يقرب في تحريم الخمر [٦٢] .