وكان اليهود في المدينة قبل الهجرة قد أعلنوا ما وجدوه في التوراة والإنجيل دالاً على بعثة رسول جديد، يدعو إلى التوحيد، ويختم به الأنبياء والمرسلون لأن اليهود كانوا أهل كتاب، فكانوا على يقين من بعثة رسول الإسلام، أما الأوس والخزرج فكانوا وثنيين، وكان اليهود يعيرونهم بوثنيتهم، فلما بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودعا الناس إلى الدخول في الإسلام، حتى يسعدوا في الدنيا والآخرة، كان الأوس والخزرج الوثنيون أكثر استعدادا لتقبله من اليهود الذين أعماهم الحقد عن رؤية الحق وأصم آذانهم الكره فلم يستمعوا إلى نداء رسول الهدى بل ناصبوه العداء، وكان الأوس والخزرج في وقت شروق شمس الإسلام أصحاب الكلمة العليا في المدينة برغم تناحرهم، فكانت استجابتهم لنداء الحق ودخولهم في الإسلام من العوامل الميسرة للرسول وللذين آمنوا معه أَن يهاجروا إلى المدينة دون أن يخشوا عداوة اليهود لهم، وكان وصول الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، واتخاذها مقاماً ومقراً لدولة الإسلام إيذاناً ببدء تنظيم عمراني جديد ظهرت فيه صبغة الإسلام، وأصبحت له خصائص مميزة صارت واضحة ظاهرة في المدن الإسلامية بعد ذلك، وما زالت واضحة ظاهرة إلى يومنا هذا.