ثم جاء المهاجرون من مكة إلى المدينة، فانضافوا إلى سكانها من الأوس والخزرج واليهود، مما جعل المدينة في حاجة إلى تنظيم سكاني جديد، وتخطيط عمراني، يهيئ لدولة الإسلام السبيل إلى التقدم، لهداية الضالين إلى صراط الله المستقيم، وحمل نعمة الإسلام إلى العالمين.
وقد نظم الرسول الكريم -بتوفيق من رب العالميين- الحياة في المجتمع الجديد في المدينة المنورة، وثبت قواعد العمران فيها بعد أن أصبح -صلوات الله وسلامه عليه- الإمام والقائد يبلغ الوحي، ويغرس الثبات والصبر واليقين في قلوب المؤمنين وهو في الوقت نفسه ينظم الحياة في مجتمع الدولة الإسلامية ويحكم في كل خلاف يشجر بين أفراد هذا المجتمع، وييسر أسباب الحياة للمهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله، ونصرة لدين الحق الذي ارتضاه لعباده، وبعث به خاتم أنبيائه ورسله.
ومن الثابت أن المهاجرين استقبلوا استقبالاً حسناً من إخوانهم المسلمين في المدينة، غير أن إقامتهم واستقرارهم وتدبير معيشتهم، كانت من الأمور التي تحتاج إلى تنظيم في مدينة يشكل اليهود جزءاً من سكانها، ويضمرون للمسلمين الحقد والكره والشر، مما يجعل من المتوقع أن يظهر غدر اليهود بالمسلمين في وقت من الأوقات، ويدعو إلى أخذ الحيطة والحذر، كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك وراءه في مكة عدواً لدوداً من المشركين المنكرين لدين الله الحق، وكان هذا العدو يتربص بالمسلمين الدوائر ويبيت في نفسه العدوان، فكانت حماية المسلمين في المدينة من عدوانه تحتاج إلى تثبيت الجبهة الداخلية في المدينة، وبنائها بناءً قوياً يستطيع الصمود في وجه الخطر الخارجي المتوقع.