ويشرح القاضي الفاضل في إحدى رسائله ما كان يؤديه به الحمام من دور فعال في هذا الشأن. ومما قاله في هذه الرسالة:"سرحت لإنزال أجنحتها محملة البطائق أجنحة، وتجهيز جيوش القاصد والأقلام أسلحة، وتحمل من الأخبار ما تحمله الضمائر، وتطوي الأرض إذا نشرت الجناح الطائر، وتزوي به الأرض ما يبلغه ملك هذه الأمة، وتضرب من السماء حتى ترى ما لا يبلغه ولا همه وقد أخذت عهود الأمانة في رقابها أطواقا، وصارت خوافي من وراء الخوافي، وغطت سرحها المودع بكتمان سحبت عليه ذيول ريشها الضوافي، ترغم أنف النوى بتقريب العهود، وتكاد العيون بملاحظتها تلاحظ أنجم السعود، وهي أنبياء الطير لكثرة ما تأتي به من الأنباء، وخطباؤها لأنها تقوم على الأغصان مقام الخطباء"[١٩] .
رؤساء الدواوين:
إذا كان التنظيم الإداري بمفهومه العلمي الحديث هو تحديد المسئوليات والسلطات والعلاقات بين الأفراد في الجهد الجماعي بقصد تحقيق أهداف محددة، فالدواوين الأيوبية كانت تنهج هذا السبيل في تحديد المسئوليات للعاملين، وتنظيم العلاقات بينهم وبين رؤسائهم.
وعندما نستعرض الهيكل الوظيفي في عصر الدولة الأيوبية، ندرك أنه يوجد نظام إداري يتسم بالإحكام والتخطيط السليم.
فالدولة يحكمها السلطان عن طريق وزير يمثل قمة السلطنة التنفيذية، ويلي الوزير في المرتبة رؤساء الدواوين المختلفة، وفي كل ديوان العاملون به، وهم على درجات عليا ودنيا، إذن فهم يتبعون التسلسل الإداري في السلطة. ولكل موظف اختصاصات محددة يسير على هداها، وصفات معينة يلزم توافرها فيه، وكانت هناك نظرية الإنابة في العمل فهذا الموظف يحل مكان فلان في وظيفته في حالة غيابه.
وإذا نظرنا للتقسيمات الوظيفية بالمصطلح الحديث من وظائف إدارية أو قيادية، ووظائف فنية أو كتابية، ودرجات عمالية، وجدنا هذا النمط معمولا به في تلك الحقبة من الزمن.