ثم أخذ الشطي يتخبط خبط الناقة العشواء يصعد ويهبط، ينفي ويثبت، يدعي العلم ويعلن الجهل، لغياب التصور الصحيح عنه في باب عظيم من أبواب العلم والمعرفة والإيمان وهو باب الأسماء والصفات، الذي لا اجتهاد فيه ولا استحسان، بل لا يتجاوز فيه الكتاب والسنة.
حقا إن (الحكم على الشيء فرع عن تصوره) وهذه الكلمة أصدق كلمة قالها المنطقيون أو من أصدق كلماتهم، إذ تشهد لها في الجملة نصوص من الكتاب والسنة، مثل قوله تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}(الإسراء أية ٣٦) وقوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَْ}(النحل ١١٦) وقوله عليه الصلاة والسلام في آخر حديث طويل: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" وفي رواية البخاري: "أو ليصمت" رواه الجماعة.
وقد أشتط الشطي حين زعم أن توحيد الأسماء والصفات (بدعة) وهى مبالغة جريئة لم تقدر الله حق قدره. وكأن الشطي يريد أن يأتي بما لم تأت به الأوائل. ثم أراد أن يهدئ بعض النفوس التي قد تثور من هذا التعبير المتهور، فبادر قائلا: هذا قول (ابن حزم) ولا يدري الشطي (المسكين) أن ابن حزم ليس بحازم في بحث العقيدة كما هو حازم في الفقهيات، مع ضرورة التحفظ في أدلته حتى في الفقهيات.
وبعد: هكذا ظهر الشطي على المجتمع في ذات ليلة ليجعل التقليد سنة معروفة عند القرون المفضلة كما تقدم. ويجعل توحيد الأسماء والصفات بدعة وهو أصل من أصول الدين الذي يتوقف عليه معرفة الله تعالى التي هي غاية مطالب العباد، وقد تعرف الله إلى عباده بأسمائه وصفاته وآلائه مع آياته الكونية.