ولم تستعمل كلمة الفناء في القرآن الكريم إلا في الدلالة على هلاك الشيء وزواله، كما دلّ على ذلك قوله تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام} ٢٦، ٢٧: الرحمن، ويؤيد تفسير الفناء بالهلاك قوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه} ٨٨ القصص، وأما قوله:"والأنس بمطالعة جمالها الأزلي"فلنا أن نسأل الكاتب: ما معنى هذا الكلام؟ هل تريد رابعة أن تأنس بمطالعة (جمال الذات الإلهية الأزلي) في الدنيا أم في الآخرة؟.
إننا إذا فسرنا هذه العبارة بمعنى الرغبة في مشاهدة ذات الله العلية في الدنيا، فإنّ رابعة بهذا المطلب تكون قد طلبت أمرا لم يجب إليه كليم الله موسى عليه السلام، كما دل على ذلك قول الله تعالى:{ ... قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً ... } ١٤٣: الأعراف.
وإن كان المقصود بهذه العبارة رؤية اللهِ في الآخرة، فهذا أمرٌ قد وعد الله به المؤمنين من عباده في قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} ٢٢،٢٣: القيامة، وفي قوله سبحانه:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ..} ٢٦: يونس، والحسنى هي الجنة، والزيادة هي رؤية وجه الله الكريم، كما ورد ذلك عن كثير من السلف في تفسير هذه الآية.
على أن:"الأنس بمطالعة الجمال الأزلي"تعبيرٌ لا يسلم من المآخذ، مع إيماننا بأن الله سبحانه متصف بالجمال على النحو اللائق بذاته العلية.