للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكيف يجوز بعد هذا أن يجعل صلى الله عليه وسلم واسطة بين الله وعباده في ما لا يقدر عليه إلا الله من دعاء وغيره, وقد خاطبه الله تعالى بقوله: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} , فليتأمل هذا الوعيد المرتب على دعوة غيره وخاطب به تعالى نبيه ليكون أبلغ في التحذير أفيظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أن الله ينهاه عن هذا ويذكر الوعيد عليه ثم يرضى أن يفعله أحد معه أو مع غيره؟ , كلا، ودعوة غير الله تنافي الإخلاص الذي هو دينه ولا يقبل سواه {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} , وقد ذكر الله تعالى اختصاصه بالدعاء في قوله: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} فأخبر أن دعوة الحق له خاصة وما ليس بحق فهو باطل لا يحصل به نفع لمن فعله بل هو ضرر في العاجل والآجل لأنه ظلم في حق الله وفي حق المدعو, يبين هذا توعده تعالى من دعا الأنبياء والصالحين والملائكة بقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} نزلت في الذين يدعون عيسى عليه السلام وأمه وعزيراً والملائكة باتفاق أكثر المفسرين من الصحابة والتابعين والأئمة فلا يظن عاقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يرضي بشيء قد توعد الله من فعله مع عيسى وأمه والعزير والملائكة, وكونه صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل لا يلزم أن يختص دونهم بأمر نهى الله عنه عباده عموماً وخصوصاً بل هو مأمور أن ينهى عنه ويتبرأ منه كما تبرّأ منه المسيح ابن مريم عليه السلام كما في الآيات في آخر سورة المائدة (١١١) إلى (١١٨) وكما تبرأت منه الملائكة في الآيات في سورة سبأ (٣٩) إلى (٤١) .

وليعلم أن الدعاء قسمان: