للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما ليلة النصف منه وهي ليلة الخامس عشر من شهر شعبان فقد رأى كثير أنها هي الليلة المباركة التي قال فيها الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} والمراد من فرق الأمور فيها أن يفصل من اللوح المحفوظ =كتاب المقادير= كل أحداث السنة من حياة وموت، وحرب وسلم، وخصب وجدب، وخير وشر، ويسلم إلى مدبرات الأمور من الملائكة، فيتم ذلك حسب تقدير الله تعالى بلا زيادة ولا نقصان، ولا تبديل ولا تغيير، بل يقع كل شيء على صفته وفي زمانه ومكانه كما جرى به القلم قبل خلق السماوات والأرض، وهكذا في كل سنة من هذه الليلة المباركة يفصل من كتاب المقادير العام كل ما يحدث في خلال السنة مما قضاه الله وقدر وقوعه فيها من الأرزاق والآجال وغيرها من الأحداث الكونيّة وجزئياتها حتى إن الرجل ليتزوج ويولد له وهو في عداد الموتى.

وهذا مما يرجح أن تكون هذه الليلة هي ليلة القدر من رمضان وليست ليلة النصف من شعبان بقرينة قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر، ِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} .

فقوله {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} إشارة إلى فرق الأمور فيها وفصلها عن اللوح المحفوظ، وتسليم ذلك إلى المدبرات من الملائكة: ميكائيل، وإسرافيل وعزرائيل ...

ويؤكد هذا أن الأحاديث الواردة في ليلة النصف من شعبان لم يصح منها شيء بل كلها ضعيفة، ولم يخرجها أصحاب السنن، وإنما ذكر بعضها الثعالبي والزمخشري، وأمثلها حديث: "إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، يقول ألا مستغفر فأغفر له؟ أَلا مبتلىّ فأعافيه؟ ألا مسترزق فأرزقه؟ ألا كذا أَلا كذا حتى يطلع الفجر".