ونحن نقول:- إن أول ما يتحتم معرفته وإدراكه من العلم، هو أن يعرف المخلوق من الذي خلقه، ومن هذا المُتَّكأ الأعظم تنطلق كل المعارف والإحاطات العلمية، بتأكد اليقين الفهمي لحياتيْْ ما قبل الموت وما بعده، هذه هي النظرة الإسلامية لحقيقة العلم، أما أَن ينشغل كافر بموجودات الدنيا، مبهورا بما أودع فيها خالقها من عجائب يركز فيها خلايا مخه لأنه لا يؤمن إلا بها، أو أن يقف مسلم مكذبا بما يكتشف الكافر صاحب الدنيا، فينطوي على نفسه مكتفياَ بعبادات محضية أو ترانيم كلامية، تاركا للكافر يتمتع وحده بما أودع الله في دنياه باسم التصوف والتبتل {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} ، فإن الإسلام يرفض الكافر السابق والمسلم اللاحق اللذين أشرنا إليهما، وإني كما ذكرت في البداية هو أن العلم بالصانع سيجعله ينتفع بكل صنعته، الآن وبعد موته، فهو الآن يجب أن يكون تاجراً أو صانعاً وزارعاً، وباحثاً في أغوار اليابس. وغائصاً في أعماق الماء. وطائراً في الهواء، ومتفكراً في عجائب الفضاء، ومتبصراً في كواكب السماء، على أن هذا من صنعة الصانع الذي عرفه وأيقن به عز وجل، فلما سعد بدنياه حين استخدمها بما ذكرنا، راح يذكر موجد هذه النعمة بالانحناء راكعاً وبالكف صائما وبالإخراج مزكياً وبشد الرحال حاجاً، ولِما نهي عن المعاصي تاركا. ولما أمِرَ به من الطاعات فاعلا مؤدياً، وبهذا أخذ الطريق إلى حيازة ما هو أنعم وأدوم. عندما يلقى الله بالفناء المحتم {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً -في الدنيا- وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} - أي في الآخرة- وفي آية أخرى قوله {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَر} .