للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا أيضاً صنع ذو القرنين أعجب سد وأمنع سور بالصورة العجيبة التي ذكرها القرآن {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً - نحاساَ- فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً، قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} ؟ أسمعت أيها القارئ بأن هذا السد- هذا الاختراع في بناء الحصون والأسوار على حد تعبيرهم- سيبقى لمتانة صنعته حتى يجيء وعد الله بيوم الساعة فيدكه هو - وحده- بقدرته {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} ، وغير هذا كثير من عجائب مبدع الملكوت بالمباشرة أو بتسبيبه. إذاً فكيف نوجَّه بإعلان حقوق الإنسان يأتينا من عدونا ونحن الذين علمنا الدنيا من علم الذي قال {قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} {كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} ، وغير هذا وفير في الكتاب الذي ضمنه الله علم الدنيا والآخرة، نظرا وكونا وجِرما وفكرا وبحثا ونقلا {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} . الله أكبر. فماذا بعد هذا؟ ورحنا نستجدي ونحن الأكرم والأجدى بما علّمنا به الذي علمْنا به، سبحانه، ولكن أساس حيرتنا وتطلعنا إلى ما في يد الغير من كل شؤون الدنيا علماً أو غيره، هو فراغ قلوبنا من كامل الإيمان بالذي وسع كل شيء علماً. فالأزمة أزمة إيمان قبل كل شيء، ولقد أهاجني حقاً تلك الكلمات التي ذكرها الأستاذ نديم الجسر في كتابه القيم والذي عنونه