للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد أعجب (كوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب) أعظم الإعجاب من شغف العرب بالعلم. ولقد كان إعجابه أعظم أن رأى هذا الشغف منبعثًا منهم عن الدين نفسه. وقال في ذلك: إن العلم الذي استخفت به أديان أخرى قد رفع المسلمون من شأنه عالياً، وإليهم ترجع في الحقيقة هذه الملاحظة الصائبة القائلة باسم الدين: "إنما الناس هم الذين يتعلمون والذين يعلمون، وأما من عداهم فمضر أو لا خير فيه"مشيراً بذلك إلى الحديث الصحيح "ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردًى. وما استقام دينه حتى يستقيم عمله. وفي رواية، حتى يستقيم عقله"، أي بالعلم. ثم يستمر (كوستاف) في كتابه فيقول:- إن النشاط الذي أبداه العرب في الدراسة كان مدهشاً جداً، ولئن ساواهم في ذلك كثير من الشعوب فلم يكن منهم فيما أظن من سبقهم. وكانوا إذا ما استولوا على مدينة وجهوا عنايتهم في الدرجة الأولى إلى تأسيس جامع وإقامة مدرسة، وعدا مدارس التعليم البسيطة فإن المدن الكبرى مثل بغداد والقاهرة وطليطلة وقرطبة الخ، كان فيها جامعات علمية مجهزة بالمخابر والمراصد والمكتبات الغنية، وبكلمة واحدة كانت هذه الجامعات مجهزة بكل المواد الضرورية للبحوث العلمية، وكان في أسبانيا وحدها سبعون مكتبة عامة، وكانت مكتبة الخليفة (الحكم الثاني) في قرطبة تحتوي كما ذكره االمؤلفون العرب على ستمائة ألف مجلد كان فيها للفهرس فقط أربعة وأربعون مجلدا. وقد لوحظ بحق، أن (شارل الحكيم) لم يستطع بعد أربعمائة سنة من هذا التاريخ أن يجمع في مكتبة فرنسا الملكية أكثر من تسعمائة مجلد. وكاد أن يكون ثلثها فقط خارجاً عن علم الكهنوت.