أما عن النقطة الثانية، فقد اخترنا "أندريه مارتينه "، وهو واحد من أكبر علماء اللسانية في فرنسا، وصاحب شهرة واسعة في العالم، ومع ذلك سنراه في الفقرة التي سنأخذها من أحد كتبه يقف من اللغة العربية موقفاً غير علمي. إنه يقول:
"ربما تكون اللغة قبل كل شيء، لغة تقليدية، أدبية، أو مقدسة ثم تكون سيئة التأقلم بحيث لا تلبي مجموع الحاجات المنوعة للأمة، كما هو الحال بالنسبة للغة العربية "الكلاسيكية "في البلدان الإسلامية"[٢] .
هل المقصود من ذلك هو الطعن في القرآن؟ يعلم كل عالم موضوعي ونزيه أن هذا الكتاب، منذ أنزله الله وحتى يومنا هذا، يمثل الضمير اللغوي للأمة العربية. كما يعلم كل عالم أن القرآن ما دام حياً بين أظهر معتنقيه، ويعيش في مشاعرهم، فإن اللغة العربية ستبقى حية.
إذا كان الطعن في القرآن لإبعاد الناس عن لغة القرآن هو قصدهم، فإن هذا ليس من أهداف البحث العلمي اللساني ولا من أغراضه، وقد كان الأجدى بهم كعلماء في اللغة وآدابها أن يتجهوا إلى دراسة العلاقة بين القرآن من جهة والعربية من جهة أخرى.
أ- ٢- إن مناقشة هذين الرأيين توقعنا في حرج شديد. ولذا فإننا نرى أن لا نناقش الأول، لأن صاحبه لا يمثل في عالم العلم أية قيمة كما يدل عليه قوله. وأما الثاني فنرى في مناقشته بعض الفائدة لا لأنه موضوعي وعلمي ولكن لأن لصاحبه في عالم العلم مؤلفات- في اللسانية- ذات قيمة علمية معترف بها.
قبل أن نبدأ نود أن نسوق خمس ملاحظات إلى كل مفكر غربي لها أهميتها الإنسانية:
ا- إن على المفكرين في الغرب أن يدركوا أن العالم الغربي لا يملك الحق من وجهة نظر علمية أن يعتبر نفسه المركز الوحيد لحركة الفكر في العالم.
٢- إن على هؤلاء أن يعلموا أن النظريات التي تنطبق على عالمهم قد لا تنطبق على غيرهم بشكل آلي، وخاصة في ميدان العلوم الإنسانية.