للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا أن التعبير عن هذه الحياة لم يأخذ في نظري مجاله الذي كان ينبغي أن يأخذه لأن التعبير يأتي متأخراً. فالجيل الأول شغل ببناء نفسه وبناء المجتمع الإسلامي وبناء الدولة الإسلامية والجهاد في سبيل الله كل هذا من التعبير عن هذه المعاني. وهذا أمر طبيعي غير مستغرب، فإنه لابد أن تمضي فترة من الوقت بين الحدث وتمثله في النفس تمثلاً يعبر عنه في صورة أدبية. هذه الفترة التي انقضت في الإنشاء لم يكن فيها كثير من التعبير من جانب المسلمين لأنهم كانوا مشغولين بعملية الإنشاء لأن أثر القرآن في نفوسهم كان من الفخامة بحيث يغنيهم عن التعبير، فكل ما في الحياة يجدونه معبراً عنه في كتاب الله. فيغنيهم هذا عن أن يعبروا بأنفسهم ولكن كان لابد أن يأتي الوقت الذي يعبر المسلمون فيه عن تجربتهم الجديدة هذه ويخرجونها في ثوب فني.

حين جاء هذا الوقت كانت قد حدثت أحداث فخام في العالم الإسلامي ردت المسلمين إلى بعض المعاني السابقة على الإسلام من قبلية ومن نزاعات، فحين بدؤوا يتكلمون، حين بدؤوا يعبرون عن أنفسهم رجعوا مع الأسف إلى قوالب التعبير الجاهلية وفي كثير من الأحوال إلى معاني التعبير الجاهلية في الفخر والهجاء وأيضاً فيما نهى الله عنه.. وصار الأدب.

وسار أدب المسلمين مسيرة طويلة خلال أربعة عشر قرناً يقترب أحياناً من المفهوم الإسلامي ويبتعد أحياناً كثيرة، حتى أننا في كثير من الأحيان لا نكاد نجد فرقاً واضحاً بين التعبير العربي في الجاهلية والتعبير العربي الذي أنتجه المسلمون وإلا فالخمريات والمجون والمدح والهجاء وكل هذه الأبواب التي جاء الإسلام ليبطلها وليضع مفاهيم جديدة للحياة وللتفكير والتعبير قد عادت إلى الظهور في أدب الأدباء خلال أربعة عشر قرناً.