وسبب هذا التمسك والمحافظة على هذه الوسائط والاستمرار في اتخاذها شفعاء عند الله وإن كانت لا تنفع نفسها، هو الألف والعادة فلا مجال للعقل أن يفكر بل ما تلقوه عن الآباء وورثوه عن الأجداد هو الدين، ولو كان الآباء والأجداد لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون. {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}(الزخرف الآية: ٢٣) .
وقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية لأبي طالب عند الوفاة: أترغب عن ملة عبد المطلب. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فكان آخر كلامه أن قال: هو على ملة عبد المطلب [٦] .
فلما دعاهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم إلى خلع هذه الأنداد المتخذة مع الله وطلب منهم أن يفردوا الله وحده بالعبادة لأنه الإله الحق، وأن يتركوا تلك الوسائط والشفعاء التي لا تدفع عن نفسها شراً. فضلا عن أن تنفع غيرها، أعظموا ذلك الأمر واستغربوه وتعجبوا من قائله، وانطلق سادات القوم وكبراؤهم يحثون أتباعهم على الاستمرار على دينهم والسدور في شركهم، يحثونهم على الصبر على آلهتهم، وأن لا يستجيبوا لدعوة محمد صلى الله عليه وسلم التي يدعوهم فيها إلى توحيد الخالق في العبادة. الذي يعترفون له بأنه الواحد في الخلق، متهمين رسول الله أنه إنما يريد بهذه الدعوة الشرف والاستعلاء عليهم، وما دعواه النبوة وإنزال الوحي عليه إلا افتراء واختلاف إذ كيف اختصه الله من بينهم بذلك، يقول الله في ذلك:{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ. أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}(ص الآية: ٥-٨) .