نقل عن الحسن البصري وعطاء، أن من عزم على السفر فإن له أن يفطر في بيته قبل أن يخرج إلى طريقه، وقد حكي هذا عن أنس رضى الله عنه، فقد روى عن محمد بن كعب أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ فقال: سنة. ثم ركب، قال الترمذي هذا حديث حسن (وقد تقدم هذا الحديث قريباً وتقدم ما قيل فيه) .
وقد قال ابن عبد البر- تعليقاً على هذا القول- قول الحسن قول شاذ وليس الفطر لأحد في الحضر، في نظر ولا أثر [١٦] .
ولكن ابن العربي صحح هذا الرأي ونسبه إلى الإمام أحمد بن حنبل [١٧] .
إلا أن الثابت في المغني أن المذهب الحنبلي، يرى مع أكثر الفقهاء، ضرورة مجاوزة البيوت حتى يباح الفطر [١٨] .
وسنعرف ما هو الحق إن شاء الله بعد عرض الرأي الثاني وأدلته فيما يلي: يرى أكثر الفقهاء: أن الفطر لمريد السفر لا يجوز إلا إذا فارق بنيان البلدة التي يقيم فيها، وذلك لما يأتي:
أ- أن الآية {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} : علقت رخصة الفطر على حصول السفر ولا يطلق على الشخص وصف مسافر إلا بعد خروجه من مباني البلدة التي يقيم فيها، فلا يقال لشخص متحرك داخل بلده- راجلاً أو راكباً- مسافر. بل يطلق عليه هذا الوصف بعد خروجه من البلدة.
ويقوي هذا القول، ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم في قصر الصلاة- والقصر والفطر صنوان في الرخصة- فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ القصر من ذي الحليفة ... فقد تقدم في حديث أنس (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين)[١٩] .