اتفق أهل العلم على أن المسافر إذا عزم على الإقامة في مكان ما أثناء سفره فإن حكم الرخصة ينتهي في حقه ويصير مقيماً ويجب عليه الصوم إلا أنهم اختلفوا في تقدير المدة التي يصير بها المسافر مقيماً، وفيما يلي بيان موجز بأهم الآراء ووجهة كل منها.
ا- يرى ابن حزم: أن من أجمع إقامة يوم واحد من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وجب عليه أن يبيت نية الصوم.
ووجهته في ذلك: أن المسلم يلزم بالفطر إذا كان على سفر، ومتى نوى الإقامة المدة المذكورة، فيعتبر مقيماً ويلزم بالصوم، لكن إن أفطر عامداً، فقد أخطأ، إن كان جاهلاً متأولاً، وعصى: إن كان عالماً، ولا قضاء عليه- أي في الحالين- لأنه مقيم صحيح، ظن أنه مسافر [٢٠] .
ولم يذكر ابن حزم مستندا لتحديده الإقامة بهذه المدة، كما لم يذكر سبب اختياره لهذا التحديد بالذات.
ويظهر أن الجمهور يحددون المدة بأربعة أيام كما هو الحال في قصر الصلاة في السفر وقد نص البعض على ذلك [٢١] على حين لم يشر إليه كثير منهم، والسكوت عن كثير من أحكام رخصة الفطر اتكالاً على ورودها في القصر؟ أمر جرى عليه أكثر الفقهاء، وقد نبهنا إلى أشياء منه.
والعلة في تحديد الجمهور المدة بأربعة أيام، واعتبارها مدة إقامة تنهي رخصة الفطر، هي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمح للمهاجرين بالبقاء في مكة بعد انتهاء النسك ثلاثة أيام، وقد أخرج البيهقي من حديث العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يمكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً" كما أخرجه النسائي وأبي داود في سننهما. وقد أورده مسلم بعدة ألفاظ وفي بعضها زيادة من العلاء الحضرمي: يقول في هذه الرواية "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للمهاجر إقامة ثلاثة أيام بعد الصدر بمكة. كأنه يقول: لا يزيد عليها"[٢٢] .