للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: أن تكون (إلا) عاطفة بمنزلة الواو، ذهب إلى هذا الأخفش والفراء وأبو عبيدة، وجعلوا من ذلك الآية الكريمة: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} (البقرة: ١٥٠) ، التقدير على رأيهم: ولا الذين ظلموا منهم، وليس قولهم هذا بمسلم.

الثالث: أن تكون (إلا) زائدة، قال بذلك الأصمعي وابن جني وابن مالك، وجعلوا من ذلك قول ذي الرُّمة:

على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا

حراجيج ما تنفك إلا مناخة

فإلا زائدة في البيت على رأيهم.

الرابع: أن تكون ٠إلا) بمعنى (غير) - وهذا هو محل الشاهد - أي يوصف بها كما يوصف بغير، فقد وصف بإلا جمع منكر كما في قوله تعالى: {لو كان فيهما إلا الله لفسدتا} (النساء: ٢٢) .

فلا يجوز في (إلا) هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى؛ إذ التقدير يكون حينئذ: لو كان فيهما آلة ليس فيهم الله لم تفسدا، وليس ذلك المراد، ولا من جهة اللفظ؛ لأن آلة جمع منكر في الإثبات فلا عموم له، فلا يصح الاستثناء منه، فلو قلت: قام رجال إلا زيدا، لم يصح اتفاقا، ومقال وقوع إلا وصفا قول ذي الرمة:

قليل بها الأصوات إلا بغامها

أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة

فإلا بغامها صفة للأصوات.

وقول لبيد:

وقع الحوادث إلا الصارم الذَّكر

لو كان غيري سليمي الدهر غَيَّره

فإلا الصارم صفة لغيري.

وقد شرط ابن الحاجب في وقوع (إلا) صفة تعذر الاستثناء بها؛ لذا جعل من الشاذ قول الشاعر:

لعمر أبيك إلا الفرقدان

وكل أخ يفارقه أخوه

أي لجواز صحة الاستثناء بإلا.

قال أبو البقاء العكبري مشيرا إلى تقارض (إلا) و (غير) :

الأصل في (إلا) الاستثناء، وقد استعملت وصفا، والأصل في (غير) أن تكون صفة وقد استعملت في الاستثناء.

وما قاله أبو البقاء يفيد صحة التقارض لحمل إحداهما على الأخرى، (فغير) حين ضمنت معنى (إلا) حملت عليها في الاستثناء كما أن (إلا) قد تحمل على (غير) فتوصف بها لما بينهما من مشابهة؛ ولذا فهم يقولون: