للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير أن هذا الحرف قد يترك عمل الجزم للفعل المضارع إلى عمل النصب فيه مقترنا هذا الحكم من (لن) لتشابههما في النفي، فقد حكى اللحياني عن بعض العرب أنه ينصب بلم، وقد وجدنا ابن مالك يقول في شرح الكافية: زعم بعض الناس أن النصب بلم لغة اغترارا بقراءة بعض السلف: {ألم نشرح لك صدرك} (الشرح: ١) بفتح الحاء، أي نصب الفعل المضارع (نشرح) بلم، وكقول الحارث بن منذر:

ايوم لم يقدر أو يوم قدر

في أيّ يومي من الموت أفرّ

بنصب الفعل يقدر بعد لم، فقد عملت (لم) النصب في الفعل بعدها.

ولم يزافق على هذا بعض العلماء فقد ذهبوا إلى أن النصب في الآية والبيت على أن الأصل: نَشرَحَن، ويقدرَن، ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها، وقد اعترض على هذا التوجيه بأن فيه شذوذين: توكيد المنفي بلم، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين.

وخرج بعضهم الفتح في الآية والبيت على أنها اتباع للفتحة قبلها أو بعدها.

ب- (لن) حرف ينصب الفعل المضارع وينفيه ويمحضه للاستقبال نحو قوله تعالى: {فلن أكلم اليوم إنسيا} (مريم: ٢٦) ، ولا تفيد توكيد النفي ولا تأبيده خلافا لمن زعم ذلك، وقد رُدّ هذا الادعاء بأنها لو كانت للتأبيد للزم التناقض بذكر اليوم في {فلن أكلم اليوم إنسيا} والتكرار أبدا في قوله تعالى: {ولن يتمونه أبدا} (البقرة: ٩٥) ، وأما التأبيد في {لن يخلقوا ذبابا} (الحج: ٧٣) فلأمر خارجي لا من مقتضيات (لن) .

وتأتي (لن) للدعاء كما أتت (لا) وفاقا لجماعة منهم ابن عصفور بدليل قول الأعشى:

ـت لكم خالدا خلود الجبال

لن تزالوا كذلكم ثم لا زلـ

وما تقدم هو الأصل في استعمالها، وقد تخرج (لن) عن نصب المضارع إلى جزمه مقترضة هذا الحكم من (لم) كقول كثير عزة:

فلن يحل للعينين بعدك منظر

أيادي سبايا عزَّ ما كنت بعدكم

وقول أعرابي يمدح الحسين بن علي:

حَرَّك للعينين بعدك منظر

لن يخِب الآن من رجائك من