ثم قال: ومظاهر الحب والبغض معروفة .... وهي مصادقة للأحياء أو منافرة، واستغفار للموتى أو لعنة. وأين من عواطف الحب والبغض هذا الذي يصطنعه المسلمون اليوم؟؟ إن الواحد منهم يصادق أفسق الناس، وقد يقطع والديه - وهم أحياء - ثم تراه مشمراً مجداً في الذهاب إلى قبر من قبور الصالحين، لا ليدعوا له ويطلب من الله أن يرحم ساكن هذا القبر، بل ليسأل صاحب هذا القبر من حاجات الدنيا والآخرة ما هو مضطر إليه وذلك ضلال مبين. اهـ.
والإسلام بصفائه ونقائه، ومنهجه الذي سلكه في المحافظة على سلامة فكر وسلوك اتباعه قطع دابر كل وسيلة تصل الإنسان بالشرك، فالبناء على قبور الصالحين قباباً واتخاذ المساجد عليها الذي كان تقليداً قديماً قضى عليه الإسلام، إذ أن ذلك من مظاهر الوثنية، فقد؟ أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأمره أن يسوي بالأرض كل قبر مشرف، وأن يهدم كل صنم، فجعل الأضرحة العالية والأصنام المنصوبة سواء في إضلال الناس.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أمته عند وفاته مما صنعته الأمم السابقة:" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا لا إله إلا الله تتخذوا القبور مساجد أني أنهاكم عن ذلك ".
وكان يرفع الخمرة عن وجهة في مرض الموت ويكرر هذا الدعاء:" اللهم لا تجعل قبري من بعدي وثناً يعبد ".
يقول الشيخ الغزالي بعد ذكر هذه الأحاديث التي حذر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتباع اليهود والنصارى:" ومع هذا التحذير كله ومع كثرة الدلائل التي انتصبت في الإسلام دون الوقوع في هذا المحظور فقد أقبل المسلمون على بناء المساجد فوق قبور الصالحين، وتنافسوا في تشييد الأضرحة حتى أصبحت تبن على أسماء لا مسميات لها بل قد بنيت على ألواح الخشب وجثث الحيوانات. ومع ذلك فهي مزارات مشهورة ومعمورة تقصد لتفريج الكرب وشفاء المرضى وتهوين الصعاب "(١) اهـ