قد المنهزمون من الروم أمام المسلمين على (هرقل) وهو بإنطاكية، فدعا رجالا من عظمائهم فقال لهم: ويحكم ما هؤلاء الذين تقاتلونهم من العرب؟ أليسوا مثلكم؟ قالوا بلى! قال: أفأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافا في كل موطن، قال: ويلكم فما بالكم تنهزمون كلما لقيتموهم؟ فقال شيخ منهم: أنا أخبرك أيها الملك من أين تؤتون، قال: أخبرني، قال: إنهم إذا حملنا عليهم صبروا وإذا حملوا علينا صدقوا، وإنا نحمل عليهم فنكذب ويحملون علينا فلا نصبر، قال: ويلكم فما بالكم تصفون وهم كما تزعمون؟ قال: ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا؟ قال: من أين هو؟ قال: لأن القوم يصارعون بإيمان ويصاولون بروح لا تهزم، وإن من صميم عقيدتهم التمرن على الصبر؛ فهم يصومون بالنهار ويقومون بالليل، ثم إن جمعهم واحد ليس بينهم خلاف لأنهم يوفون بالعهد ويتناصحون بينهم لا يظلمون أحدا، أما نحن فإنا نشرب الخمر ونزني ونظلم ونغصب ونأمر بما يسخط الله وننهى عما يرضي الله ونفسد في الأرض.