الآية الأولى من هاتين الآيتين الكريمتين تبين أن الله سبحانه وتعالى قد قطّع بني إسرائيل وفرقهم في بقاع الأرض، منهم الصالحون ومنهم الفاسقون الكافرون، وقد ابتلي هؤلاء الكافرين بالحسنات من صحة ورخاء، وبالسيئات من مرض وفقر وجدب، لعلهم يرجعون إلى الطاعة ويتوبون عن المعصية.
والآية الثانية التي اشتملت على الاستفهام {أَلَمْ يُؤْخَذْ} تبين أنه جاء بعد أولئك اليهود المتقدم ذكرهم في الآية الأولى جيل سوء من نسلهم ورثوا التوراة من أسلافهم فبقيت في أيدهم يقرءونها ويقفون على ما فيها من الأوامر والنواهي والتحريم والتحليل ولا يعملون بها، ويأخذون الرشا والمكاسب الخبيثة ويقولون سيغفر لنا الله، ولن يؤاخذنا بذلك، وكان ينبغي إذ ورثوا الكتاب أن يعملوا بما جاء فيه وألا يجزموا بالمغفرة وهو مصرون على ارتكاب المعصية، وقد جاء إصرارهم هذا من أنهم كانوا إذا أمكنتهم الرشا والمكاسب الخبيثة أخذوها غير مكترثين بالوعيد والعقاب الشديد على ارتكاب المعاصي.
ويجيء الاستفهام في قوله تعالى:{أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} يجيء مفيدا التقرير والتوبيخ: التقرير على معنى الإخبار أي قد أخذ عليهم في الكتاب - أي في التوراة - ميثاق أن لا يقولوا على الله إلا الحق والصدق، وقد كذبوا مع ذلك عليه سبحانه وتعالى، ومن تلك الأكاذيب دعواهم أن الله سيغفر لهم معاصيهم مع إصرارهم عليها، ومنها أنهم كانوا إذا جاءهم المبطل أخذوا منه الرشوة وأخرجوا كتابهم الذي كتبوه بأيديهم وحكموا له به مدعين أنه كتاب الله.
وهذا الاستفهام يفيد التوبيخ أيضا: يوبخهم الله سبحانه وتعالى على افترائهم وأكاذيبهم تلك التي كانوا يزعمون أنها في كتاب الله، على حين يعلمون أنها ليست فيه، فقد قرءوه كرة بعد كرة، ووقفوا على ما فيه مرة بعد مرة.