حين أتى موسى وهارون عليهما السلام فرعون وقالا له إنا رسول رب العالمين عرف فرعون موسى لأنه نشأ في بيته و {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} ، وهذا الاستفهام يفيد التقرير والامتنان والتحقير والتوبيخ والتعجب على معنى: قد ربيناك فينا وبي بيتنا على فراشنا مذهب كنت رضيعا حتى بلغت مبلغ الرجال، أنعمنا عليك هذه السنين الطويلة، ولكنك قابلت إحساننا إليك بتلك الفعلة التي فعلتها، فقتلت منا رجلا وكفرت بنعمتنا عليك، لقد حدث هذا كله، ثم هاأنت ذا تدعي أنك رسول رب العالمين، فيا عجبا أنى لك هذه الرسالة؟! ومتى كان ذلك؟!.
ولقد أجاب موسى عليه السلام عما تضمنه سؤال فرعون فقال:
لقد قتلت ذلك الرجل وأنا من الجاهلين بأن تلك الوكزة ستقضى عليه، لقد كان قتلي إياه خطأ وليس بالعمد.
وأما هذا العجب من أكون رسولا فإن الله ربي هو الذي وهب لي حكما وجعلني من المرسلين بعد أن خفتكم وفررت منكم أنشد النجاة والأمن.
وأما تلك النعمة التي تمنها عليّ فما كانت بالنعمة، ولمن تكون ذات يوم، وكيف تراني أعدها نعمة وأعتدها إحسانا وأنا الذي كنت أرى وأنا أعيش في بيتك، أرى قومي بني إسرائيل يلاقون على يديك ضروب التعبيد والإذلال، لقد أهنت قومي، ومن أهين قومه فقد ذل.
وأما تربية موسى في بيت فرعون - من حيث إنها حادثة واقعة لا من حيث إنها نعمة يمن بها - فقد سكت موسى عن ذكرها، وسكوته إقرار واعتراف بها.