وقد كان يعتقد قديما وإلى عهد قريب أن الخمر لها منافع طبية، ولكن الاكتشافات العلمية بينت أن هذا الاعتقاد وهم لا نصيب له من الصحة، وصدقت هذه الاكتشافات أنها حقا داء وليست بدواء [١٤] ، وبما شهدت به الأعداء كما يقولون.
ومنافع الخمر كلها موهومة؛ لأن هذه المنافع إما مادية بالنسبة لمن يبيعها ويتجر فيها فردا كان أو شركة أو دولة؛ فإن ما يعود إلى المجتمع أفدح وأعظم بكثير من هذا الكسب المادي، فالخسارة المؤكدة هي الخراب السلوكي والصحي مما لا يمكن أن يعوضه مال مهما بلغ.
أو منافع طبية وصناعية، وكلها أمر موهوم؛ فالواقعون في أسرها يعتقدون أنها تفتح الشهية، وعلى هذا الاعتقاد الكاذب استعملت قديما وحديثا في أغلب بلاد العالم تحت تأثير هذا المعتقد، فهي تفتح الشهية أول الأمر لأنها تزيد من إفراز حامض المعدة (كلور الماء) .
ولكنها بعد فترة تسبب التهاب المعدة الذي يترتب عليه بالتجربة المؤكدة فقدان الشهية، وكثيرا ما يعقبه القيء المتكرر، وآخرها سرطان المريء [١٥] .
وبعد، فإن من يتتبع موضوع التداوي بالمحرم يجد أن المتفيهقين الذين أباحوه بحجة الاضطرار لم يفهموا مطلقا معنى الاضطرار الدافع لاستعمال المحرم، فالاضطرار هو التيقن من هلاك النفس بانعدام ما يؤكل أو يشرب، فيصبح إنقاذا وقتيا من الفناء أن يأكل الميتة ويشرب الخمر، ولا يأثم بذلك، ولا حد يقام عليه عندئذ، وكذا إذا فعله جهلا أو بالشبهة التي تدرأ الحدود، إذاً فلا يجوز مطلقا التداوي بها؛ لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:"إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"، ولقوله في الخمر كما أسلفنا:"إنه ليس بدواء ولكنه داء"، فهل بعد قول الرسول وما ثبت به قوله الشريف من تجارب الواقع مجال لتقول بإباحة التداوي بالخمر؟
ننتقل بعد هذا العرض إلى بيان بعض الأحكام التي تتعلق بالخمر، والتي بينها الفقهاء، حتى يكون للناس حجة بعد هذا.