وقد أشعلوا الشموع الكثيرة، وصفوها في الروضة الشريفة والقناديل العديدة موقدة ومباخر الطيب بالعنبر والعود دائرة، وماء الورد كأنه سحابة هامرة وكل جماعة من الحاضرين قدامهم طبق موضوع من الزهور والفل والفاغية، وأنواع الرياحين، حتى أرسل شيخ الحرم إلى الإمام بعد فراغه بالخلعة السنية الفضية الذهبية. وقام الناس يباركون له الختم الشريف وهو جالس في محراب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك المقام المنيف وقد حصل لنا كمال الثواب والأجر في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وزرنا النبي صلى الله عليه وسلم"ثم ذكر رجلاً من أهل اليمن مجذوب الحال كان يحمل قربة ماء من البئر الذي في صحن الحرم النبوي ويقول شقا شقا ولا يأخذ شيئاً من أحد. ثم ذكر انتهاء ذلك الحفل وانصرف ذلك الجمع واطفئت القناديل والشموع.
وبهذه المناسبة فإن عمل الاحتفال المذكور لختم القرآن في رمضان كان معمولاً به في مكة من القرون السابقة حيث جاء عند ابن جبير في رحلته وصف عمل الحفل المذكور بأعظم وأكبر من هذه الصورة سنوردها آخر البحث إن شاء الله.
كما أنه كان موجودا أيضاً بالمدينة في نهاية العهد التركي وعلى أوضاع متعددة سيأتي ذكرها عند الكلام على القرن الرابع عشر إن شاء الله في أواخر عهد الأتراك والأشراف. ولا نستبعد أن تكون صورة الختم تلك ممتدة من ذي قبل وليست وليدة القرن الثاني عشر فقط. ولا سيما وأن المقدم فيه هو ختم الشافعية الذين لهم الأولوية في الإمامة من زمن مسبق من على عهد الأتراك أنفسهم والذين يناصرون المذهب الحنفي مما يدل على أن هذا الحفل ليس من مبتكرات الأتراك بل لعله من بقايا الفاطميين والله أعلم.