وتصعد عمارة مكة إلى عهد الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وكان بنوه يعيشون في الخيام والمضارف حتى عاد قصي بن كلاب من الشام في القرن الثاني الميلادي، وبنى فيها المساكن والبيوت حول الكعبة، ومن ثم أخذت تزيد، وكانت في زمنها البعيد خالية من الحضارة، بيوتها ساذجة مبنية بالحجارة والطوب اللبن، مسقوفة بجذوع النخل خالية من الزخارف.
وفي القرن السادس الميلادي بدأ السادة من قريش يهتمون ببناء بيوتهم، فكانت أحيانا تتألف من دورين، ويتخذ لها أجود الأخشاب، وتكثر فيها الشرفات، ويغلب فيها بيوت صغيرة، تلحق بالبيوت للضيوف الذين يردون من داخل البلاد وخارجها، وكان من أحسن البيوت وأعظمها بيت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
كل هذا في القديم.
أما اليوم فقد أخذت المدينة زخرفها وازّينت، فتغيرت وتبدلت في وصف يطول بنا لو تعرضنا لها - حفظها الله ورعاها -.
ولقد كسا الله سبحانه وتعالى مكة حلة روحية، تجعل القلوب تهوي إليها، والنفوس الصافية تعشقها، يأتيها الناس من كل فج منفذين أمر الله الذي أمرهم بالحج إليها، جماعات ووحدانا، راجلين وراكبين، رجالا ونساء، يزيدون كلما زاد الخلق وكثروا عاما بعد عام، استجابة من الله لخليله إبراهيم عليه السلام حينما دعا الله فأجاب دعاءه:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(إبراهيم: ٣٧) .
ومكانة مكة في قلوب العرب تجعل أهلها دائما محل نظر واهتمام وعرضة للنقد، وخاصة المرأة القرشية، فلا بد أن تظهر بالمظهر اللائق؛ لأن كل عربية تأتي لتحج ولتعيش في رحاب البيت العتيق تتخذ لها مثلا أعلى من نساء أهل مكة.